لقد مرت الثورة الاحوازية بمراحل عدة. صعودا وهبوطا، ولكنها مازالت حية وستبقى كذلك..وليس من الصعب معرفة مآلات المستقبل من خلال قراءة الواقع قراءة مستندة إلى حقائق التأريخ التي سجلها الإنسان على مر الحقب. فالتاريخ والثورة مجردان ولا عقل لهما. ولكننا نتعامل مع التاريخ وكذلك الجغرافية السياسية والثورة وغيرهما من المصطلحات المجردة من العقل، نتعامل معها كأدوات عاقلة تؤثر وتتأثر بها، لأنها نتيجة عمل بشري وبالتالي فإن عقلها هو كناية عن عقل الإنسان والمتأثر هو الآخر بالطبيعة الإنسية له، فلا يمكن فصل العقل عن الإنسان والتعامل معه بشكل معزول عن جوهره، بل هو نتاج ـ أي العقل ـ لتفاعل العاطفة الإنسانية مع الفكر الإنساني. ولذلك لا يمكن أن نتعامل مع الإنسان بوصف منطقه ومظهره فقط، بل أن العامل النفسي والاجتماعي له دور فاعل في الإنتاج العقلي للإنسان. فالإنسان ابن بيئته ولذلك فإن سلوكه نتج عن مزيج من تلك البيئة وبين تجاربه الذاتية ومعارفه في الحياة .. وغالبا ما يكون السلوك السوي أو غير السوي هو طبيعة تتحكم بطريقة عمل العقل….فهو أي السلوك قد يرى الشر خيرا والخير شرا .
ومن خلال هذه المقدمة البسيطة جدا.. أود القول أننا عندما نريد التعامل مع الثورة الأحوازية فعلينا أن نفهم الإنسان الأحوازي جيدا، لا من حيث منطقه التبريري والذرائعي، بل من خلال سلوكه البشري بشكل عام .
قد لا يدرك البعض أن الواقع المرير الذي تعيشه الأمة العربية هو ليس نتاج الانظمة السياسية بقدر ما هو نتاج سلوك إنساني غير سوي وأعني أنه غير واعي بذوات الآخرين ولا يدرك أن مصلحته المستدامة لن تستديم إلا إذا كانت مصلحة عامة للجميع، وهذا هو الفرق بين الدولة المتحضرة المتقدمة والدولة الفاشلة، ونحن كعرب لم نستطع أن نبني في التاريخ المعاصر دولة عربية واحدة بالتعريف العلمي الحضاري للدولة وليس بسبب طبيعة النظام السياسي أيضا بل بسبب تدهور وعي المواطن العربي بشكل عام . ولذلك فإن ما سمي بالثورات العربية هي شكل من أشكال ألا وعي ..فلو تحدثنا عن سوريا وليس للحصر بل كمثال، فإني أعتقد أن ماحدث فيها هو عبارة عن ملايين من الثورات غير المتفقة لا على المبدأ ولا الهدف. فلكل مواطن أو بافضل حال لكل مجموعة صغيرة من المواطنين ثورتهم الخاصة بهم. والحال هذه لا بد أن تكون النتيجة هي الفوضى والقتل والدمار. فلا يمكن للثورة العاقلة ان تطرح شعار (الشعب يريد أسقاط النظام)، وهي لا تملك نظام بديل، فهذا تصرف وسلوك ناتج عن الا وعي، والأكيد هو تصرف غير عاقل مهما كانت التبريرات ….ولذلك فإن الأحوازي الذي يطالب بتحرير الأحواز وليس لديه بديل عن سلطة الاحتلال فهو أنسان غير واعي بما يقول ويتحكم في طريقة عمل عقله العاطفة الساذجة .
أن في كل مجتمع هناك فئة شريرة، فإما أن يكبح جماحها القانون أو تستخدم هي السلطة والقانون، وهذه الفئة الصغيرة كانت على مر العصور هي سبب نشوب الصراعات الدموية فهي من خلال السلطة والمال يمكن أن تزج الملايين من المغيبين ذهنيا بحروب طاحنة. وهذه فئة خطيرة جدا وليس لها ما يميزها من الاخرين شكلا وتعاملا بل تختلف مضمونا ولذلك فهي تغرر الأذهان المغيبة بسهولة عندما تمتلك السلطة والمال. ويمكن أن يكون سلوكها مثلا وطنيا يحتذى به وهذا هو جوهر الحركات الأستئصالية التي ظهرت في العالم ومازالت موجودة .
بالعودة للقضية الأحوازية فنحن لا نختلف بشيء عن واقعنا العربي من مثقفنا التائه الذي يبحث في الظلام عن الحقيقة إلى السياسي الذي يتوهم المجد إلى المواطن الذي يبحث عن شربة ماء وقليل من الهواء. ويؤسفني القول أن الجنون أنواع، فمن وجهة نظري أن الذي يطالب ويعتقد أنه يعمل من أجل (دولة) عربية أحوازية هو مجنون، وليس لأن الهدف غير مشروع أو مستحيل، بل لأنه أي الشخص يقول شيء ويعمل نقيضه.. وهذه صفة ذميمة.
فعندما يصبح السياسي مجنون والمثقف تائه فماذا نتوقع شكل المستقبل !!
اليأس وحده هو الذي جعل بعض الاحوازيين يتحدثون عن عدم ضرورة وجود ثوابت وطنية، وعن أستحالة تحرير الأحواز.. أن من يقرأ ويحلل التاريخ الأنساني يكتشف بسهولة أن قدرة الأنسان غير محدودة وأنه لا مكان لقوة مفروضة مهما كانت تلك القوة من الجبروت والعظمة إلا بوجود أنسان راضخ وغير متجانس مع ذوات الآخرين. والانسان الباحث عن ذاته بعيدا عن ذوات الآخرين هو من جنس الفئة الشريرة ولو رأيته مبتسما، فالطبيعة الأنسانية هي نتيجة وجود مجتمعات بشرية، ولا يمكن التحدث عن مجتمع بدون وجود ثوابت تجمع الناس على مصلحة جماعية الكل يحافظ عليها والكل يدافع عنها .
ولولا وجود الثوابت لما نشأ مجتمع على مر العصور، وأن السياسة لا تعني أبدا التنازل عن الهوية الكينونية الجغرافية الوطنية، بل أن أعظم السياسيون المفكرون هم الذين يبحثون عن مكامن القوة في الشعب ويسعون لتراكم سبل القوة لتحقيق موقع أفضل لمواصلة تحقيق الهدف على شكل مراحل .
أعتقد جازما أننا لو أستطعنا ان نكوّن مجتمع أحوازي في المنفى كنموذج لتجربة سوف يتفاعل معها الشعب بشكل طبيعي، وحين يتكون لدينا مجتمع أحوازي فأنا أجزم ثانية أن لا قوة الدولة الفارسية ولا أي قوة عظمى في العالم تستطيع أن تقف أمام أرادة مجتمع ( وهذا شرط موجب ) و أؤكد لكل من يعتقد بصعوبة أو أستحالة بناء الدولة الاحوازية أن الشعور الا واعي الذي يتسبب بقبول الأحتلال نفسيا والرضوخ له (الواقعية) . والتعامل معه وفق (السياسة فن الممكن) سوف يزول ..
إن بقاء الحال كما هو عليه الان مع كثرة الإنتقادات التي لا تقدم بديل ستكون نتائجه كارثية، وسيكون الكل مسؤول وأول المسؤولين هم أصحاب التنظيمات الاحوازية
إن عوامل النشأة الصحيحة للمجتمع هي: ثوابت تؤسس لوحدة المجتمع، الأقتصاد. الدستور
أولا: أن الحالة التي نعيشها الان على مستوى التنظيمات هي عبارة عن إنتظار المنقذ. وهي أسوء درجة من الإحباط وصلنا أليها، فلا أيمان لنا بقدرة الشعب أو كأننا لا ننتمي لشعب أساسا. وهذا لا يعني رفضنا لأي مساعدة ممكن أن تقدم لنا، ولكن لابد أن نصبح أحياء لكي تقدم لنا المساعدة، فلا مساعدة للأموات ولا للمتوهمين .
وثانيا: أن الثورة العاقلة هي الثورة القادرة على حشد الجماهير وتأسيس البديل للخروج من حالة الفوضى … والواقع اليوم يقول بصراحة إننا ننتظر حالة الفوضى ونتشوق لها رغم علمنا أنها كارثية على الجميع، والشعب سوف يدفع الثمن وهذه جريمة قتل جماعي مع سبق الإصرار والترصد .
إن الثورة الفلسطينية على المستوى السياسي هي أسوء مثال يمكن أن نحتذي به دون الدخول في التفاصيل رغم أن الشعب الفلسطيني بالفعل شعبا جبارا. بل علينا أن نعتبر ونتعلم من أخطاء الآخرين، وأن نتعامل مع الشعب الأحوازي كما هو دون أن نمس تركيبته الإجتماعية وأن لا تتضرر أي فئة من فئات الشعب لأنها جوهر أصالته ولسنا بحاجة الان إلى أي فلسفة خارجة عن نطاق المنطق. والبحث عن أسباب الفشل في مواقع القوة هو أهدار لطاقة العقل، فالعقل السليم يبحث عن أسباب الفشل في مواقع الضعف وليس في مواقع القوة الكامنة .
إن المسؤولية جماعية …وسؤال شرعي لكل منتمي للنتظيمات الأحوازية .
ماهو الهدف من إنتمائك للتنظيم بصدق بينك وبين نفسك، وماذا تتوقع أن يحقق تنظيمك وقد جعلك تأمل وتنتظر أن تصبح أفضل من اخيك بل يمكن أن تعاديه وتبغضه وأنت بأمس الحاجة إليه وهل تؤمن فعلا أن تنظيمك هو الوحيد الذي يمكن أن يحقق الأهداف…؟ وهل لديك شعور بالفوقية أو الأفضلية على الأخرين ؟
سوف أختم حديثي بتقديم مشروع قابل للنقاش أو تقديم بديل إن أمكن .
أولا: تشكيل هيئة وطنية عليا ينبثق منها حكومة منفى وبمشاركة جميع أطياف الشعب في المنفى .
ثانيا: جميع التنظيمات تعمل تحت ظل المرجعية وفي إطار القانون مع حقها في الإحتفاظ بخصوصيتها التنظيمية في الداخل ولكن العمل في المنفى يكون ضمن أطار قرارات المرجعية.
ثالثا: المشاركة تكون على أساس الكفاءة والخبرة .
رابعا: تُشكل لجنة حقوق أنسان أحوازية مستقلة من خلال ضم اللجان الحالية إلى بعضها البعض .
خامسا: شكل الدولة المستقبلية من الناحية التنظيمة والهيكلية إن أستطعنا من تحقيق الهدف تحدده الهئية الوطنية العليا .
فإذا كانت التنظيمات قد أنشأت أساسا لأجل الأحواز، فلن تكون هناك أحوازعلى الخارطة أن بقيت التنظيمات على حالها حتى وأن ذهب الاحتلال بلا رجعة . بل هي الآن عبارة عن قنابل موقوته ستنفجر جميعها في حال حدوث فوضى وسقوط النظام بالإضافة إلى أنها سوف تضع الآخرين في موقع الدفاع عن النفس وينتج عن هذا مليشيات في كل مدينة وقرية، وسوف نرى نفس النص السوري تماما يتجدد على أرض الاحواز والجميع يعلم أن هناك سوقا يزود النخاسين بآلات القتل والدمار. فإن كانت هي اليوم أي التنظيمات لا تتوحد لسبب واحد وهو المصلحة الشخصية والفئوية وهذه هي الحقيقة التي عايشتها مع أخوتي بينما لا توجد مصالح حقيقة ملموسة، فكيف أيها المواطن المسكين إذا أصبحوا على الأرض وهناك مصالح حقيقة . .
اليوم قد نكون نحن على عتبة مرحلة تاريخية جديدة وهذه المرحلة تحتاج لرجال ونساء مستعدون للتضحية، فمها كانت التضحيات المعنوية فهي لا تعني شيء أمام تضحيات الشهداء وآلام الأسرى .
وللموضوع تتمة …
تسلم أ. طالب على هذا المقال الرائع والذي يصف الواقع الاحوازي، كما أن مقارنتك الوضع الاحوازية بالفلسطيني والسوري دقيق وأن الحالة الاحوازية لا تختلف كثير عنهما.
أرجو تعميق النقاش حول ما طرحت من حلول وآليات للعمل الأحوازي المشترك ..
مع خالص الشكر والتقدير