ذكرت ذات مرة في أحدى مقالاتي أني أكتب للمستقبل ، وأقصد من ذلك سببين ، الأول أن أدوّن ماجرى ويجري في ساحتنا الوطنية السياسية من الناحية الفكرية السياسية دون أن أدخل في تفاصيل ليست ذات جدوى أو أتطرق لأسماء بحد ذاتها لأنها عابرة وليست معايير ممكن أن نأخذها بعين الإعتبار حين ندوّن للتاريخ السياسي للشعب العربي الأحوازي . أما السبب الآخر فإني لا أعتقد أن جيل الحاضرممن يسمّون بالنخبة قادر على أن يصيغ مستقبل ، فهو أعجز من هذا الأمر بكثير ولو أن هناك من الطيبين وأصحاب النوايا الطيبة ولكنهم قلة قليلة جدا بالنسبة للأكثرية التي تشّكل صورة الواقع .
في وطني وفي هذه الفترة الحرجة ونحن في نهايات عام 2018م مازلنا لا نفرّق بين الوطنية والثورية والسياسة ، فكل وطني هو ثوري وسياسي بذات الوقت ، وهذا يدل بما لا يقبل الشك أن النضوج الفكري عند الأحوازي والشعور بالمسؤولية قاصر كثيرا ، لأن التمييز بين الأشياء والصفات هي من علامات العقل ، وهذه الحالة يجب التوقف عندها كثيرا وهي حالة سلبية أفرزتها التنظيمات الأحوازية وهي التي تتحمل أعباء هذه المسؤولية ، فالتنظيمات الأحوازية بشكل عام أعتمدت على العدديّة ولم تهتم أطلاقا بالنوعية ولا بالكيفية . وبالتالي فإن كل من يتم أستقطابة للتنظيمات يعتقد في ذاته أنه قادر على ممارسة العمل السياسي ولو لم يكن مؤهلا ولو لم يخطر بباله أن يقرأ كتاب واحد في حياته . ولذا نجد أن أي أحوازي يعتقد أن من حقه تأسيس تنظيم سياسي وذلك لسببين أيضا ، الأول أنه لم يرى من خلال إنتمائه لتنظيم ما أن المتواجدين في التنيظم أفضل منه في شيء ، والثاني هو الحق الذي خول له من ذاك التنظيم حين أستقطبه .
ولذا لا يمكن أن نتصور أن الثورة يمكن أن تنتصر حينما يعتقد الجميع أنهم مأهلون لممارسة العمل السياسي ، فهذه فوضى ليست خلاقة ، فهل يمكن أن نتصور كيف يكون وضع شعب مكون من عشرة ملايين أذا كان ثلاثة أرباعهم قادة وسياسيون عظماء وكلهم يسعون ويبذلون جهودا حثيثة لتحرير وطنهم . حتى بات مشروع الوحدة الوطنية موال حزين يُعزف على كل ربابة .
من علامات الشعوب المتخلفة هو الحالة التي ذكرتها ، والعراق بعد الاحتلال خير مثال على ذلك ، حيث سيطرت الأحزاب بأعضائها الذين لا يفقهون شيأ بأدراة الدولة على الدولة . فسبب فشل مشاريع الوحدة لا يعود لطبيعة المشاريع نفسها لكي نحاول ان نصيغ مشروع جديد كل يوم ، أنما الفشل في ممن ساهموا في مشاريع لا يعلمون مدى ضرورتها ومدى ضرورة ديمومتها ، فحين لا يعلم من يُفترض فيه شيء من علم السياسة ضرورة العمل على تكريس مفهوم الوحدة المجتمعيّة بأعتبار أنها من أهم أسس بناء الدولة فهو أكيد ممن ينطبق عليهم قول القائل .
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم …..ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا .
فلو كان كل احوازي ينتمي لتنظيم ما ، سئل سؤال واحد فقط . كيف ستحققون أهداف التنظيم أقصد ماهي خطتكم لتحرير الاحواز وماهو دوري في هذه الخطة ؟ .
إن كل مواطن أحوازي من واجبه أن يكون ثوريا يسعى لتحرير وطنه ، ولكن عليه أن يعي أن السياسة شيء مختلف وهي ليست لقاءات سطحية على القنوات أو فتوات على مواقع التواصل الاجتماعي إنما هي علم وأكيد ليست ( فن الممكن ) بل أن السياسة هي عملية تحويل ما هو غير ممكن ألى ممكن .وهذه المقولة قد تكون هي مجمل ما قصدة عبد الرحمن الكواكبي حين عرَف السياسة على أنها أدراة الشؤون المشتركة بمقتضى الحكمة .
أن الكتابة حول الواقع قد تكون هي الوسيلة الوحيدة التي تستطيع تغيير هذا الواقع . وأنا أستند لكتاباتي من خلال ما عايشته خلال سنوات ليست بالقصيرة ، وكنت أبذل ومازلت جهدا لكي أركّز على كل كلمة اسمعها أو أقرئها من أي أحوازي لكي أفهم مدى الإعتدال أو الإنفصام في الشخصية الأحوازية ، ومدى قدرة الاحوازي على تقمص دور أكبر من حجمه الحقيقي بكثير دون أن يتردد لحظة واحدة وبلا مبالاة .
المعضلة الحقيقية هي في كيفية معالجة أزمة الشخصية الأحوازية ، هذه الشحصية التي لا تعلم أن سبب أستمرار الأحتلال هي ذاتها وليس قوة المحتل . هذه الشخصية التي تعتقد أنها قادرة على ان تقوم بكل الأدوار وببراعة شديدة . هذه الشخصية هي من ضحايا سياسية الاحتلال وليست قادرة على معالجة ذاتها أو قد لا تعلم أنها مريضة وهي صفة جميع الأمراض النفسية فالمريض لا يعلم أنه مريض . في بعض الأحيان أعتقد أن أحد أهم أسباب الشخصية المنفصمة عن ذاتها هو عدم ثقتها في إمكانية إزالة الاحتلال وبالتالي تأخذها العزَة بالأثم . وإلا كيف يسمح شخص لنفسه أن يتحدث بأمور هو على يقين أنه غير قادر على صياغيتها ولا إدارتها وتحصيله العلمي لا يسمح بذلك مطلقا ومع هذا يصول ويجول .
ومن ضمن الأمراض المتوطنة في الشخصية الاحوازية خصوصا فيما يسمى بالمستقلين ولا أدري مستقلين عن ماذا ؟ ، وهي النقد الهدام بكل أريحية وبدون وازع من ضمير ، فأكيد أن الذي يعلم أن هذا اللون ليس أبيضا فهو من الطبيعي يعلم كيف يكون اللون الأبيض ، فحين ينتقد خطاب سياسي يراه مخطئا فمن الطبيعي أن يعلم ماهو الخطاب الصائب وإلا يكون مجنون . ولذا قد يكون هذا مدخل لمعالجة بعض النفسيات الهدامة المريضة أن نطلب منها البديل حينما تنتقد ، فلا يمكن تصور أني استطيع أن أميّز الظلام إن لم أميّز النور .
فعلى سبيل المثال ، قد سمعت كثيرا من ( الإنتقادات) حول مشروع الوحدة الوطنية الذي تم في عام 2010 م تحت مظلة المنظمة الوطنية لتحرير الأحواز (حزم ) . وبنفس الوقت فإني لم أسمع أنتقاد واحد لحد الان يدّل على أن الناقد يعلم شيء عن منظمة حزم
، إنما هو كما يقول المثل الجزائري ( الغرض مرض ) . فنحن بالفعل بحاجة لنقد وكل عمل إن لم يكن فيه أخطاء فهو عمل ليس بشري وكثيرا من الأخطاء لا تتضح إلا بعد ممارسة التجربة .
ولكننا دائما نرى أن الآخرين فشلوا ونحن من سوف ننجح .. يعني القضايا الوطنية المصيرية تقاس على مقياس نحن وأنتم وليس على مقياس العمل على ضرورة الوحدة المجتمعية وإننا نكمل بعضنا ولا نقصي بعضنا لدواعي أو لدوافع نفوسنا .
وأعود للمطب الذي أوقعتنا به التنظيمات الأحوازية حين أستقطبت الأحوازيين بدافع الكثرة تغلب العُقلاء ، وعطلت بذلك عقول الأحوازيين عن الأبداع والأجتهاد وحولت كثيرا منهم إلى طبول تقرع ليل نهار تمجيدا بالتنظيم أو الأفراد ، وقد حان الوقت الان للمراجعة وتصحيح المسار ، فالثورية عند الأحوازي واجب وليست ميّزه فيه ، وأن ممارسة العمل السياسي يحتاج لخبرة ودراية وليس أجتهاد محلل سياسي كالذين يطلون علينا من شاشات القنوات الفضائية . ومن أهداف الوحدة الوطنية كان تصيفة الساحة السياسية ليتبقى فيها من يمتلك مؤهلات تساعدة على المشاركة في أدراة الصراع ضد الاحتلال الفارسي . فنحن لسنا بحاجة إلى أعداد بل لمؤهلات قادرة ، وأما الأعداد فهؤلاء ثوريون أحوازيون لهم كل التقدير والأحترام كمواطنين وكمناصرين وداعمين لمشروع الوحدة . فمن باب أولى أن تبدء التنظيمات الأحوازية أما برفع السقف العلمي للأفراد وأعتقد أنها لن تستطع ، أو أختزال العدد بحيث يكون المقياس هو الأمكانيات الفردية . ثم أنكم تعلمون أن هاجس الأستقطاب هو باب مفتوح لأجهزة الأستخبارات الفارسية فهم لن يرسلوا لنا فارسيا كي يخترقنا .
وللموضوع تتمة ..