لكل ثورة في العالم لا بد من منظومة أخلاقية تنظم العلاقة بين الجمع وليس بين الأفراد ، فالعلاقة بين الأفراد تعتبر تفاصيل في المنظومة العامة ، بينما بين الأفراد جميعا فهي ظاهرة أجتماعية ، المهم في المنظومة الأخلاقية أنها تفرز دساتير وقوانين أخلاقية يتعامل بها المجتمع ، وهذه المنظومة هي أهم بكثير من أي عامل أخر في الثورات مثل الدعم المادي والسياسي والعكسري ، فالثورات لا تنجح بالوسائل المذكورة أبدا ، لأن هذه الوسائل المهمة تعمل ردة فعل عكسي طبيعي يؤدي إلى فشل الثورات التي بلا قيم وأخلاق ، وكل الثورات التي نجحت في العالم على مستوى التغيير الشكلي وفشلت بالتغيير الجذري والجوهري لابد أن بعض قوى الثورة المهمينة على القرار تلاعبت بالمنظومة الأخلاقية بعد السلطة وليس قبل الوصول للسلطة . وهذه قاعدة منطقية حكمت ديناميكية الثورات وأدت إلى نجاحها ، بأعتبار أن الفرد الواحد هو وحدة البناء الأساسية في تلك الديناميكية وإن لم يعمل وفق تناغم جماعي فأنه سوف يكون سبب في تراجع الدينامكية وتحويلها إلى حركة فوضوية غير محكومة بقوانين وهي بالتالي عشوائية لا تنتج طاقة . فشخص واحد عديم الأخلاق ممكن أن يؤدي تصرفة إلى أنهيار كامل للمنظومة ومن ثم الثورة .
وقد نجد صعوبة في مواجهة بعض الظواهر الاجتماعية نتيجة قلة الوعي ، بل أن هذا العامل الذي يُختصر بكلمتين قد يكون هو الفاصل بين أن نكون أو لا نكون ، فالبعض ينظر للعلاقات البينية بين الأفراد نظرة مقدسة ومن خلال هذا التقديس يخترع قوانين الأقصاء والإزاحة ، وهذه نظرة قاصرة جدا لطبيعة الصراع بيننا وبين المحتل الفارسي ، فالإحتلال لا يواجهنا كأفراد بل كشعب وعلينا أن نواجهه بالمثل ، ومهما كانت الأخطاء الناجمة عن الأفراد فهي تفصيل صغير في تاريخ ومصير شعب .
المنطق يقول أن المحتل الفارسي ما كان ليستطيع أدامة الاحتلال وتكريسه فيما بعد على مراحل إن لم يستهدف بالأساس منظومتنا الأخلاقية الأصيلة ويحولها ألى مسخ يستطيع أستخدامة بالطريقة التي يشاء ومتى ما شاء ، ونحن بالمقابل أهتممنا كثيرا بالعوامل المادية للصراع دون أن ننتبه لعناصر الصراع الأساسية والجوهرية والتي وحدها قادرة على تغيير مسار الثورة الأحوازية ووضعها على الطريق الصحيح .
كثيرا من التصرفات الفردية والتي يعتقد صاحبها أنها نابعة من أنتماء صادق لقضيته هي ذاتها التي تقدم خدمة للأحتلال نتيجة الجهل بأهمية العلوم الاجتماعية ، والتي لا يجهلها الاحتلال ، والبعض يرى من الخلافات الفكرية ظاهرة مضرة للقضية الأحوازية ، في الوقت الذي يجب أن نخوض فيه صراع فكري حقيقي للخروج من أزمتنا وحلحلة عُقد الواقع المزرية ، فالواقع لا يتشكل لوحده بل يتشكل نتيجة عمل أفراد أو مجاميع ، وبالتالي كيف يمكن ان نعالج الواقع إن لم نعالج تصرفات الأفراد العامة التي ساهمت بنشوء هذا الواقع .
لكل فكرة أداوتها أن كانت تعمل ، أما الأفكار التي لا تعمل فلن نجد لها أدوات ، ولكن تجاهل الأفكار وعدم مناقشتها بجدية تُعتبر جريمة من وجهة نظري ، لأن الأفكار تتعلق بمصير شعب ومصير أجيال وهذا يدخل من ضمن أساسيات المنظومة الأخلاقية ، فلو كنا نمتلك منظومة أخلاقية تنظم العلاقات فيما بيننا لما كنا وصلنا إلى هذه الحال المزرية والتي يُفضل البعض أن لا نعلنها لأنها مضرة ونبقى نعيش في الوحل إلى الأبد . إن العواطف التي يستخدمها البعض كأحدى أدوات التحليل تُعتبر كارثة عند الشعوب الواعية ، فلو أفترضنا أن العاطفة التي تقتضي أن لا يكون هناك خلاف معلن بين الأحوازيين ، تشبه الحالة التي تطلب من دولة متقدمة عدم محاكمة مسؤول أختلس أو أساء أستخدام صلاحياته ، فهذه أمور تعلن في الصحافة والإعلام ولا تخفى على أحد ، وهذا ما يميز الفكر المتنور المسؤول الواعي من الحس العاطفي الذي يخجل من مواجهة الواقع ، فنحن نستطيع أن نميز بين المنطق وبين المجون في الحديث ، ولكي لا يكون هناك مجون فيجب أن لا يفكر أحد وإلا سوف يقابل بالسفه .
إننا نستطيع أن نعيد الاحتلال الفارسي إلى المربع صفر أي عام 1925م ونبدأ صراعنا من هذه النقطة ، وهذا الطرح ليس من أفلام الخيال العلمي بل هو ممكن وادواته متوفرة ورخيصة جدا لا تكلفلنا إلا بعض الضغط البسيط بأبرة على أي مكان في أجسادنا لكي نجعل التورم أو الإنتفاخ بالشخصية يتنفس . أخوتي الكرام لا يمكن أن نحرز أنجازا حقيقا وليس أنجازا مثل أنجازات القادة المستبدون ، إلا أن يكون من يتقدمون صفوف أدراة الصراع إفراد يحتفظون بكل أنسانيتهم ولا يتخلون عنها أبدا مهما كانت الأسباب والضرائع ، ولا يخدش الإنسانية إلا التكبر والغرور .
أن أول خطوة بدأ بها المحتل هو أستهداف المنظومة الأخلاقية ، ونجح ، ثم باشر بالخطوات التالية ، وإن كان قد فشل لما أستطاع أن ينجز أي واقع جديد على الاحواز ولكنّا نعود كدولة ربما عام 1935م أو بأقصى حد بعد الحرب العالمية الثانية .
إن أكتشاف مصادر القوة فينا ومصادر الضعف هُنّ أدوات صراعنا ، فحتى لو أفترضنا جدلا أن هناك دول قدمت لنا دعما غير محدود ونحن بهذه الحالة فلن نتحرر بل سنخوض صراع عقيم يدوم عشرات السنيين ، وكثيرا من شرار هذا الصراع سيصيب بعضنا البعض ، وإن أخطر ما يجب أن تحذر منه الشعوب هو الصراع البيني .
إن أول خطوة قام بها المحتل هي أستهداف أشخاص يتحلون بمكانة أجتماعية مرموقة ( شيوخ قبائل وعشائر ) وأستطاع من خلال سذاجتهم وفجورهم في الخصومة أن يقبلوا بالتعاون معه . هذه كانت ضربة في الصميم ليس لأنهم أستهدفوا شخصا وضيع الأخلاق وبلا قيم بل أنهم أستهدفوا المجتمع من خلال هذا الشخص ، فهم على علم مُسبق أن هذه التصرف سوف يتحول إلى ظاهرة أجتماعية طبيعية يتعامل معها الناس وكأن شيء لم يكُن .وبالفعل كان لهم هذا فبدل أن يكون الخائن والعميل منبوذا من المجتمع أصبح سيدا للمجتمع
ومن ثم أصبح التعامل مع المحتل أمرا طبيعيا ، يستخدمه البعض كسلاح قذر ضد أبناء مجتمعه ، فأنهدم المجتمع وتبعثر الوطن وأنهدمت كل القيم الإخلاقية معه . وكان للفرس ما كان .
هذه الظاهرة البسيطة كانت هي الأدات التي حققت أحلام الفرس ومازالت تحقق أهدافهم ، وبالمقابل فنحن لم ننتبه ولم نقم بأي ردة فعل لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والمُذلة ، وهي أهم بكثير من شعاراتنا الوطنية التي قد لا تجد أرضا طيبة تنبت عليها بسبب كثرة الآفات في هذه الأرض .
إني أعتقد جازما إننا إن لم نجد وسيلة للقضاء على هذه الظاهرة فسوف يدوم الأحتلال طويلا طويلا جدا . فمعالجة هذه الظاهرة ستكون كفيلة بإعادة المحتل إلى المربع صفر وسوف تُصيغ أخلاق الثورة من جديدة ، فتصورا شعبا بدون عملاء للمحتل ، كيف يمكن أن يكون .
إعتقد أن العقاب المادي لن يؤدي إلى نتيجة مرجوة بل سوف يساهم أكثر في تهشيم المجتمع الأحوازي ، فنسيجنا الاجتماعي دقيق وعلينا أن نتعامل معه بدقة كذلك ، وبالمقابل نجد الساحة السياسية والمفترض فيها الدقة والعلم تتعامل مع الظاهرة كأنها أمرا طبيعا ، وهذا دليل إننا لم نقرأ تاريخ الثورات في العالم بشكل دقيق ، ومن قرأ منها ، قرأها كقصة دون التقصي عن جواهر الفكر في الثورات .
وحتى اليوم وفي كل الدول الديمقراطية والتي لا تحاسب شخص بجرائم أبيه أو أخيه ولكنها تفرض قيودا مشددة على عوائل الخونة والجواسيس . ففي أوروبا لا يحق لأي متجنس جديد أن يحظى بموقع سياسي مسؤول إلا من الجيل الثالث للأسرة بحيث يثبتوا الجميع ولائهم للوطن ، فهم يهتموا كثيرا في الجانب العلمي والإجتماعي للظاهرة .
فأي ثورة هذه التي تريد أن تجعل من أبن قاتل أبي مثلا مسؤولا عن حقوقي الوطنية ، هذه أدنى درجات الأنهدام في المنظومة الأخلاقية التي وصلنا أليها .
فلو أتفقنا على إننا كأحوازيين نعلن أسقاط الجنسية الأحوازية معنويا عن أي أحوازي ثبت أو يثبت تعامله مع أجهزة الأحتلال وعمليا بعد ذلك ، فقد نكون قد أعلنا قانونا جديدا للثورة يحي منظومتنا الأخلاقية ، وبالتالي فإن هذا القانون سينعكس سلبا على أبناء العميل والخائن بأعتبار أن أبيهم لن يكون أحوازيا ، وأكيد أن هذا القانون الرادع ممكن تطبيقه حتى في حال سقوط النظام وبنفس الوقت فسيكون رادع قوي جدا حين يعمم بين أبناء الشعب ويعلم الخائن أن أبنائه أيضا سوف يتضررون من جراء خيانته وجميعنا نعلم أن المحتل أستخدم أبناء الخونة أيضا لأستمرار السيطرة على الأحواز . ولا يعتبر هذا عقابا لأبناء لم يقوموا بالفعل القذر ، فهؤلاء لهم الحق الكامل بالمواطنة ماعدى تحمل المسؤوليات العامة التي تتطلب أن يكون المواطن من أم وأب أحوازيين ، وسقوط جنسية الوالد تخل بشرط القبول لأي منصب عام . طبعا لجأت كثيرا من الثورات إلى العقاب المادي وهو التصفية الجسدية ، وهذا لم يكن مجديا ، بقدر العقاب النفسي الذي سينعكس على ذرية الشخص وهو رادع أقسى من الموت .كما أن الإعلان عن مصادرة أملاك أي خائن للوطن المنقولة وغير المنقولة وحرمان الورثة منها فيما أذا توفي الشخص الخائن أيضا سيكون ذا تأثير بالغ ، فالمثل يقول ( من أمن العقاب أساء الأدب ) ، ولا بد من عقاب يعمم بين أبناء الشعب . أعتقد إننا لو قمنا بهذا الإجراء نكون قد أسقطنا 80% من أدوات الأحتلال وليس من الصعب الان تعميم هذه القوانين على الشعب ،وكل الوسائل متاحة اليوم للتعميم ، والقانون الأخلاقي هذا يُطبق على جميع الخونة أبتدأً من 20 نيسان 1925م .
وللموضوع تتمة …..