“العرب هُم الذين يمتلكون جميع السواحل البحريّة للقسم الشرقي من الخليج العربي الذي استقرّوا فيه قبل الفتح الإسلامي محافظين على استقلالهم ويدافعون عن بلادهم باستماتة ودون عون من جيرانهم” (الرحالة الدنمركي كارستن نيبور 1733-1815).
انتقمت لندن من ستة قامات قياديّة أحوازيّة في الخامس من مايو سنة 1980، وتعمّدت اغتيالهم رغم إعلانهم عن إنتهاء عمليّتهم البطوليّة المتمثلة في السيطرة على سفارة الكيان الإرهابي الإيراني في العاصمة البريطانيّة والتي استمرّت طيلة ستة أيام (من 30/04/1980، إلى 05/05/1980)، وتتمثل هذه القامات القياديّة في: “مكّي حنون”، “جاسم علوان الناصري”، “فوزي بدواي، أو فوزي رفرف”، “توفيق الراشدي”، “شايع حامد السهر”، و”عبّاس ميثم”.
ووَضَعَ القادة الستة شروطاً للإفراج عن الرهائن، منها الاعتراف الرسمي للكيان الإيراني بإستقلاليّة دولة الأحواز العربيّة، عودة السيادة الوطنيّة إلى الأحواز، إطلاق 91 معتقلاً أحوازياً لدى الكيان الإيراني، وحضور دبلوماسيين من ثلاثة دول عربيّة هي العراق والجزائر والأردن وكذلك ممثلين عن جامعة الدول العربيّة للتفاوض.
وبالرغم من أنّ عدّة دول عربيّة قد عبّرت عن استعدادها للوساطة، إلّا أنّ الحكومة البريطانيّة رفضت هذا العرض، ولا ريب أنّ هذا الرفض مردّه النيّة المبيّتة لدى لندن والكامنة في عزمها على اغتيال الثوّار الأحوازيّين والسعي لطمس القضيّة الأحوازيّة التي تسبّبت بريطانيا في نشأتها حين أسّست الكيان الإيراني فرَسمَت جغرافيته وفقاً لمصالحها الإستراتيجيّة طويلة الأمد.
وعامل الثوّار الستة الأحوازيين، الرهائن البالغ عددهم أربعة وعشرون رهينة، معاملة الأسرى وفقاً لما تملأه عليهم قيمهم ومبادئهم الأخلاقيّة والإنسانيّة، ولم يلحقوا الأذى بأي منهم، بل أطلقوا سراح خمسة منهم من بينهم إمرأة حامل، وأربعة آخرين مراعاة لحالتهم الصحيّة.
كيف وقع الاختيار على الثوّار الستة؟
للثوّار الستة ماض مجيد، حيث أبدوا منتهى الشجاعة والاستبسال في تنفيذ سلسلة عمليّات بطوليّة ضد أهداف تابعة للاحتلال، إذ كانوا يتوغّلون داخل الأراضي الأحوازيّة المحتلة وفقاً لخطط دقيقة، فينفذون العمليّات البطوليّة الواحد تلو الأخرى.
إذاً أنّ الثوّار الستة هُم الذين اختاروا أنفسهم لإندفاعهم وبراعتهم وإقدامهم في تنفيذ العمليّات مهما بلغت درجات خطورتها، وكانوا يتميّزون بالكفاءة العالية في العمل المقاوم، وعلى هذا الأساس وقع الاختيار عليهم لتدريبهم على تنفيذ تلك العمليّة الفريدة من نوعها والمرعبة للكيان الإرهابي الإيراني وصانعيه.
وأبتا لندن وطهران تنفيذ مطلب الثوّار ومنحهم الكيان الإيراني 24 ساعة فقط لإحضار 91 أسيراً أحوازياً بطائرة إلى لندن، ليذهب معاً كلاً من الثوار والأسرى والرهائن إلى عاصمة عربيّة في الشرق الأوسط، ومن هناك سيتم إطلاق سراح الرهائن، وأصرّت لندن على تنفيذ عمليّتها المعاكسة والمتمثلة بقتل الثوّار بأيّة طريقة.
نفّذ الثوار عمليّة قتل واحدة فقط طالت المدعو “عبّاس لواساني” الذي كان قد قضي سنوات في لبنان وهو الموفد الأمني من قبل منظمة الحرس اللاثوري الإرهابيّة إلى سفارة الكيان الإيراني في لندن، والسبب في قتله يعود إلى انتمائه إلى منظمة إرهابيّة وتوغّله في القتل والجريمة.
وأكّد الثوّار للصحافة بأنّ غايتهم هي التعريف بالقضيّة الأحوازيّة وفضح جرائم الكيان الإرهابي الإيراني ضد الشعب العربي الأحوازي، وليس لديهم غاية القتل أو الجريمة.
وفي اليوم السادس المصادف بتاريخ 05/05/1980، أعلن الثوّار إنتهاء العمليّة فألقوا بأسلحتهم من شبابيك مبنى السفارة، إلّا أنّ الحكومة البريطانيّة قد أصرّت على مداهمة قوّاتها الخاصّة لمبنى السفارة، فتعمّدت إغتيالهم، لتسجّل لنفسها بطولة وهميّة وكاذبة بتحرير الرهائن، وبالفعل نفذت بريطانيا جريمتها بإغتيال خمسة من الثوّار ونجى السادس وهو المناضل الغيور والجسور “فوزي رفرف” الذي غادر المبنى مع الرهائن.
وحين اكتشفت القوّات البريطانيّة الخاصّة أمره، أصرّت على إعادته إلى مبنى السفارة واغتياله داخل المبنى، وذلك تجنّباً لفضيحة الإعلام، حيث كانت نحو مائة وسيلة إعلاميّة تصوّر الحادثة اللحظة باللحظة، إلّا أنّ هناك من أشار إلى العناصر التي كانت تنوي اقتياده إلى المبنى وقتله بأنها أمام شاشات التلفاز، كما أنّ الرهائن قد طالبوا بعدم قتله، مؤكّدين بأنه كان خلوقاً ولطيفاً جداً معهم، وعاملهم بمنتهى اللطف والإنسانيّة، شأنه شأن بقيّة رفاقه الشهداء الخمسة، وهو الأمر الذي يفنّد كافة المزاعم والتخريفات التي نعتت الأبطال الستة بنعوت وأوصاف غير إنسانيّة.
وأصدرت المحكمة البريطانيّة ظلماً حكماً بالسجن المؤبّد ضدّ المناضل “فوزي رفرف” ورفضت الإستماع إلى شهادات الرهائن وتأكيدهم على مدى إنسانيّته، وكان يفترض أن يتمّ الإفراج عنه بعد قضاء 22 عاماً من السجن، إلّا أنّ المحكمة قد مدّدت مدّة السجن إلى ستة سنوات إضافيّة، فقضى 28 عاماً في السجون البريطانيّة، حتى أطلق سراحه سنة 2008.
وفي حقيقة الأمر، فإنّ تعامل الحكومة البريطانيّة مع الثوار الستة والأسلوب الذي توخّته في التعامل معهم، إنّما يعكس الأسلوب البريطاني في التعامل مع القضيّة الأحوازية بأكملها.
كوبنهاغن وآمستردام تسيران على خطى لندن
وبعد مرور أربعون عاماً من الانتقام البريطاني من القضيّة الأحوازيّة والمتمثل في اغتيال أولئك القادة العظام، يتواصل التآمر الغربي على القضيّة الأحوازيّة ولكنه جاء بتنفيذ دنمركي هولندي هذه المرّة، حيث اعتقلت حكومتي الدنمرك وهولندا أربعة قامات قياديّة أحوازيّة مطلع شهر فبراير عام 2020، وفي مقدّمتها القيادي “حبيب جبر” رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، وشقيقه “ناصر جبر”، ورئيس المكتب الإعلامي للحركة “يعقوب حرّ التستري”، كما اعتقلت هولندا عضو المكتب الإعلامي في الحركة، المناضل “عيسى مهدي الفاخر”.
وأكّدت وسائل إعلام دوليّة ومنظمات أحوازيّة بأنّ عمليّة الإعتقال جاءت نتيجة لصفقات سياسيّة واقتصاديّة مشبوهة أُبرمت فيما بين كلاً من الدنمرك وهولندا من جهة، والكيان الإرهابي الإيراني من جهة أخرى، وتشمل الصفقات خطوط إنتاج وحقول الغاز في الأحواز المحتلة وقطع غيار، تستخدم في المفاعل النووية الإيرانيّة وكذلك التصنيع العسكري.
علماً أنّ وزير الخارجيّة الدنمركي كان قد زار الكيان الإيراني قبل عمليّة الإعتقال بأيام واتفق مع طهران على إقامة أكبر معمل للآنسولين في العالم بمدينة كرج الواقعة على بعد عشرين كيلومتراً غربيّ طهران، وأكّدت ذلك شركة “نوفو نورديسك” الدنمركيّة بأنّ فرعها في كرج سوف يغطّي الأسواق في عدّة دول، أمّا طهران فقد بيّنت بأنّ مشروع خط إنتاج الآنسولين الدنمركي، هو الأهمّ منذ عام 1979. وأكدت مصادر أحوازيّة مطلعة من داخل الأحواز عن وجود خبراء دنمركيين في حقل غاز أحوازي كبير بمدينة عسلويّة.
ومن خلال عقود شركات وهميّة، تورّطت شركة “يورو توربين تي في” الهولنديّة في تسهيل صفقات تجاريّة مشبوهة لطهران، كقطع الغيار للتوربينات الغازيّة المستخدمة في صناعة الأسلحة، وهو الأمر الذي تحدّثت عنه شبكة “دويتشة فيلة” الألمانيّة، التي أفادت بأنّ الأجزاء التوربينيّة التي جرى تصديرها إلى طهران قد تدخل في إنتاج أسلحة دمار شامل. وأوضحت الشبكة الألمانيّة أنّ الشركات الوهميّة المتورّطة في الصفقات، هي مجرّد مؤسّسات تجاريّة يجرى تدشينها وفقاً لعقود قائمة دون وجود مكاتب أو مديرين لها، وتنشط في القيام بعمليّات غسيل أموال أو تهرّب ضريبي.