عبّاس الكعبي/قناة أحوازنا الفضائيّة
“جامعة المصطفى العالميّة”، غالباً ما يذكر إسمها باللغة العربية واختير لها إسم الرسول الكريم، لسهولة استقطاب الطلّاب العرب والمسلمين وتدريبهم وأدلجتهمن، ومن ثمّ إعادتهم إمّا إلى بلدانهم أو إلى بلدان أخرى، والغاية هي بث السموم الطائفيّة والإرهاب الفكري.
يساوي عمر هذا الجهاز، نفس عمر هذا النظام الإرهابي، وتمّ تعزيزه خلال فترة الحرب الإيرانيّة العراقيّة وهدفه التعبئة والحشد، ثمّ توسّع هذا الجهاز ليصدّر الإرهاب الفكري خارج ما تسمّى بجغرافية إيران.
وتكمن مهمّة جامعة المصطفى في تدريس ما يسمّى بـ: “الإسلام الأصل المحمدي” وهو المصطلح الذي أطلقه الخميني المقبور لزرع بذور الفتنة والإنشقاق بين المسلمين، وروّج لهذا النوع من الديانة على أنها مميّزة ومختلفة عن الدين الإسلامي الحنيف السائد في جميع البلدان الإسلاميّة.
وفي البيان التأسيسي لهذه الجامعة، كان خامنئي قد صرّح بأنّ هذه المؤسّسة مكلّفة بتربية علماء الدين المميّزين والمختصّين وذلك وفقاً لحاجيات مختلف الأقاليم في العالم، ونظراً لاختلاف حاجات مختلف الأقطار والأقاليم، فينبغي أن تنسجم نشأة وتدريب هؤلاء العلماء مع حاجيات الأقطار، أي دين ملوّن ومطاط صالح لكل مكان وفقاً للحاجة.
ولابد من الإشارة إلى أنّ المدعو “إبراهيم زكزاكي” النيجيري، “باقر النمر” السعودي، “أحمد سامبي” الرئيس الأسبق لجمهوريّة الكومور، وعدد آخر من قادة العصابات وخاصّة الحوثيين مثل “حسين بدر الدين الحوثي” و”عبد المالك الحوثي”، فجميع هؤلاء من خريجيّ هذا الجهاز الإرهابي.
ويمكن القول أن فكرة جامعة المصطفى العالميّة مقتبسة من فكرة جامعة “باتريس لومومبا” (جامعة صداقة الأمم) في عهد الإتحاد السوفيتي سابقاً، وكانت غايتها تربية القادة الداعمين لمحور الإتحاد السوفيتي في العالم.
وجاءت فكرة إنشاء الجامعة بعد إدراك نظام الخميني مدى صعوبة تطبيق ما يسمّى بمشروع تصدير الثورة الإسلاميّة في العالم، إذ ليس من السهل الإطاحة بالأنظمة والحكومات المركزيّة على غرار ما حدث في جغرافية إيران سنة 1979، ولابد من البحث عن وسائل وطرق أخرى أكثر مرونة لزعزعة الاستقرار الإقليمي، وعليه يمكن اعتبار هذه المؤسّسة من أهمّ المؤسّسات الإيرانيّة التي تخوض الحرب الناعمة ونشر الإرهاب الفكري في العالم.
وعلى غرار سائر المؤسّسات والأجهزة السريّة التابعة للحرس اللا ثوري، فإن ميزانيّة جامعة المصطفى تعدّ خارجة عن ميزانيّة الدولة وتُصْرَف عليها مبالغ طائلة لترغيب الطلّاب العرب والمسلمين أو بالأحرى المرتزقة، ونذكر مثلاً، بالرغم من أن جامعة طهران التي تعتبر الجامعة الأم لكلّ الجامعات فيما تسمّى بإيران، تلقت مبلغ مالي قدره مليار و250 مليون تومان في إحدى السنوات، في حين أن جامعة المصطفى العالميّة تلقت 8 مليار و284 مليون تومان بنفس الشهر، وهذا يؤكد الاهتمام الكبير الذي يمنحه النظام لهذه المؤسّسة.
وقبل إنشاء هذه المؤسّسة، كانت في إيران مؤسّستان تقومان على تدريب وتربية المرتزقة وهي: “المركز العالمي للعلوم الإسلاميّة”، و”منظمة الحوزات والمدارس العلميّة في الخارج”، وبدليل تلاقي الأهداف بالنسبة للمؤسّستين، قرّر النظام دمجها وإنشاء جامعة المصطفى العالميّة.
وتحتوي الجامعة على 170 قسم للتربية والتعليم والأبحاث داخل إيران وخارجها، ويتخرّج منها الطلاب بشهادات مثل الخبير والخبير المختص والدكتوراة، ويبلغ عدد طاقمها العلمي ثلاثة آلاف شخص. وتقدّم الدروس الحوزويّة والعلوم الإنسانيّة، أما خريجيها، فهم من يطلق عليهم الروحانيّون الشيعة، المعمّمين، وغيرهم.
وتتوزّع فروعها الداخليّة في طهران ومشهد وأصفهان وجرجان وجزيرة جسم أو قشم، أما فروعها الخارجيّة فـتـنـتـشـر في لبنان، الهند، أندونيسيا، ألبانيا، البوسنة، ألمانيا، بريطانيا، الدنمرك، السويد، النرويج، بوركينا فاسو، تانزانيا، غينيا، ملاوي، الكامرون، الكونغو، مدغشقر، الأرجنتين، البرازيل، وغيرها من الدول.
ويعتني خامنئي شخصيّاً بالجامعة، ويستدعي طلبتها بين الحين والآخر، وتقدّم لهم أفضل الإمكانيات والخدمات، كالمنح الدراسيّة، المبالغ الماليّة، السكن اللائق، القروض، الهبات، النثريات، الرعاية الصحيّة، العلاج المجّاني، الإستشارات العلميّة المجانيّة، تنمية المهارات لزوجات وأطفال الطلّاب (المرتزقة) وتوفير قاعات الرياضة لهم، تنظيم الرحلات الترفيهيّة للطلّاب وعائلاتهم، وغيرها من الخدمات.
ويتمّ اختيار رئيس الجامعة بدقة، مثلاً، تولّى رئاستها “عليرضا أعرافي” لعشرة سنوات، وهو عضو المجلس الرقابي، خطيب جمعة مدينة قم، عضو المجلس الأعلى للثورة الما تسمى بالإسلاميّة، وكذلك عضو جامعة المدرّسين في الحوزات بمدينة قم.
ووفقاً للجامعة، فإنها استقطبت 50 ألف طالب من 122 جنسيّة من مختلف أنحاء العالم، وتخرّج منها نحو 25 ألف طالب، ويعملون في بلدانهم. وطبعاً عملهم واضح، فإختصاصهم هو التحريف والتزييف ونشر الانحراف والإرهاب الفكري وبالتالي إنشاء خلايا إرهابيّة فكريّة مرتبطة بالكيان الإيراني.
ولا تقطع العلاقة فيما بين الجامعة وخريجيها، فحتى بعد عودتهم إلى بلدانهم، يوجد ارتباط مباشر بهم وذلك عبر “رابطة طلّاب جامعة المصطفى العالميّة”، ويتواصل طلبتها ببعضهم البعض عبر هذه الرابطة، وهي عبارة عن شبكة عالميّة تعمل تحت إشراف الجامعة، وتتم دعوة خريجيها إلى إيران بشكل سنوي ومنتظم، وبالطبع تقدّم لهم الهدايا والإمكانيّات والخدمات، أمّا الطلاب، فيقدّمون التقارير عن بلدانهم، كما يتمّ تبادل الخبرات والتجارب وتنميتها بشكل دوري.
أمّا المصائب التي حلّت بالوطن العربي والعالم جرّاء هذه المؤسّسة الإرهابيّة، فنذكر مثلاً الطلبة السعوديّين، فهم لا يذهبون لإيران لتلقي العلوم الدينيّة، بل يتمّ تدريبهم على إنشاء قوّة سياسيّة والنفوذ في نظام الحكم في السعوديّة، ومن أبرز طلبة أو مرتزقة الجامعة يمكن الإشارة إلى النيجيري “إبراهيم زاكزاكي” والسعودي “باقر النمر”.
فإبراهيم زاكزاكي كان مسلماً سنياً عادياً في بلده، ثمّ غيّر مذهبه من سنّي إلى شيعي بعد انتصار الثورة في جغرافية إيران، فتحصّل على منحة دراسيّة في جامعة المصطفى، وبعد عودته إلى نيجيريا كانت له أنشطة واسعة لنشر الـتـشـيّع على الطريقة الخُمينيّة في بلده، وتدّعي زوجته بأنّه تمكّن من تشييع 12 مليون نيجيري. وبالطبع طريقهم إلى التشيّع معروف، وهو تدفق الأموال، وقام “زاكزاكي” بإنشاء “الحركة الإسلاميّة النيجيريّة” واعتبر نفسه خميني نيجيريا، كما أنه أحد أعضاء المجمّع العالمي لأهل البيت والذي تأسّس من قبل إيران لاستقطاب الشيعة في العالم.
وبسبب الفتنة الكبيرة التي أوجدها “زاكزاكي” في نيجيريا وتهديده الجدّي لاستقرار البلاد وإضعاف الحكومة المركزيّة، قام الجيش النيجيري بشنّ حملة ضدّ أنصاره فاعتقل الكثير منهم وقتل ثلاثة من أبناءه ووضعه وزوجته في السجن، وهذا مثال جيّد لمصير الذين يتبعون الهوا الإرهابي الإيراني والذين يجلبهم المال الملطّخ بدماء الشعوب.
وبالرغم من مكانة “زاكزاكي” في الأوساط الإيرانيّة، وكثرة ثناء الفرس على دوره البارز، إلّا أنه في حقيقة الأمر، لم تولّي إيران أيّ اهتمام للدفاع عنه ولا عن أتباعه في نيجيريا بعد الحادثة، وهذا يؤكد أنه لا قيمة للمرتزقة الأجانب بالنسبة إلى الكيان الإيراني، وإنها تفرّط بهم بمنتهى السهولة.
وحين نأتي على المرتزق “باقر النمر”، فبعد تخرّجه من هذه المؤسّسة الإرهابيّة وعودته إلى البلد التي ترعرع فيها وعاش من خيراتها، أصبح يدعو إلى الإطاحة بالنظام الحاكم ويخطّط للانقلاب على السلطة، وذلك سواء عبر الترويج من منابره، أو القيام بسلسلة تفجيرات وأعمال تخريبيّة وإرهابيّة وقتله العديد من المواطنين السعوديّين الأبرياء، حتى صدر حكم إعدامه وتمّ تنفيذ الحكم سنة 2016.
واتخذت إيران ذريعة من إعدام هذا الإرهابي لقطع العلاقات مع السعوديّة، وبعيداً عن الأخلاق والأعراف الدبلوماسيّة، هاجمت العناصر الأمنيّة الإيرانيّة مقرّات البعثات الدبلوماسيّة السعوديّة في طهران ومشهد.
ومنحت وسائل الإعلام الإيرانيّة رتبة آية الله لباقر النمر بعد إعدامه، علماً أنه لم يتلقى الدراسات العليا في جامعة المصطفى، وغاية إيران من تزوير الرتبة أو الصفة هي الترويج بأن السعوديّة قامت بإعدام مرجع تقليد وذلك لتأليب شيعة العالم ضدّ السعودية، وواقع الأمر هو أنّ السعوديّة أعدمت مجرّد مرتزق رخيص وإرهابي ومجرم وناكر الأصل.
أمّا “عبد الملك الحوثي”، فتسبّب بقتل أكثر من مائة ألف يمني منذ بداية انقلابه على الحكومة الشرعيّة واشعاله نار الفتنة في اليمن عام 2015، ولا زالت جرائمه متواصلة حتى يومنا هذا.
وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار الأمثلة المشار إليها أعلاه، كالإرهابيّين المرتزقة “ابراهيم زاكزاكي” و”باقر النمر”، فيتبيّن لنا أهداف هذه المؤسّسة الإيرانيّة، وكيف أنّ غايتها ليست العلم ولا التعليم، إنما تعدّ جهازاً إرهابياً يعمل على خدمة المشروع التوسّعي الإيراني ونشر الإرهاب والانحراف الفكري، وكيف أنّ من يسمّون بطلّاب جامعة المصطفى يستخدمون السلاح والعنف والتفجيرات والقتل والإرهاب لزعزعة أمن واستقرار الدول واستهداف سيادتها وحكوماتها المركزيّة خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني.
د. عبّاس الكعبي
رئيس المنظمة الوطنية لتحرير الأحواز (حزم)
المصدر / قناة أحوازنا الفضائيّة